تحقيقات - ملفات

جرائم الشاباك: جريمة الباص “300”

يوسي ميلمان/ هآرتس


المسؤول الرفيع بالشاباك والذي توفي هذا الشهر عن عمر يناهز 90، قضى معظم حياته المهنية بمهام في غزة وسيناء، في شهر أكتوبر من عام 1973 حصل أفراده على معلومات بخصوص نيه مصر البدء في شن حرب، وذلك قبل أ ن يخبرهم بذلك الجاسوس المصري أشرف مروان ، من بين المعزيين بوفاته كان رئيس الشاباك ، نداف أرجمان . طال ، الذي خدم بالشاباك قرابة 35 عام، ووصل إلى المناصب العليا في الشاباك ، كان من أصحاب عميرام أرجمان ، والد رئيس الشاباك الحالي نداف أرجمان . الأثنان كانا منتميان إلى النواة الحركية ” أبوكه” حركة صهيونية نشأت في رومانيا”، ومن منتسبي البلماخ، وسكن الأثنان في منطقة سهل بيسان . وحول الصله بين الأثنان؛ هناك معلومات بسيطة حو ل ذلك : طال كان بمثابة الأب الروحي لنداف .

في أبريل 1984 أنفجرت قضية الباص رقم 300 حيث تسببت في وقوع زلزال بجهاز الشاباك في أعقاب قتل شابين فلسطينيين غير مسلحين بدم بارد ، وهم الذين تم اعتقالهم بعد خطفهم حافلة من تل أبيب إلى عسقلان . بذلك الحين كان المسؤول في الشاباك طال رئيس الشعبة العربية ونائبا لرئيس قطاع الجنوب بالشاباك ، و كان نائبا لرئيس الشاباك ، أبرهام ” أبروم” شالوم ، الذي أعطي أوامره لإيهود ياتوم ، رئيس شعبة العمليات بذلك الوقت ، بقتل الفلسطينيين الأسري .

طال تورط بقضية الباص 300 تقريبا عن طريق الصدفة ، تم تعيينة نائبا مؤقتا لرئيس قطاع الجنوب بالشاباك، جدعون عيزرا، الذي تم ايفادة لتعزيز انشطة الشاباك والجيش بالحرب التي بدأت تطفو على السطح بتلك الأيام ضد عدو جديد – حزب الله وايران .شالوم ، الذي كان في ذلك الوقت في جولة بلبنان، أستدعى طال بشكل عاجل من مكتبة بالشعبة العربية الموجودة في مقر قيادة الشاباك , وارسلة إلى ميدان الحدث. تم إيقاف الحافلة من قبل قوات الجيش والشرطة بالقرب من دير البلح بغزة . ” أقترب من الحافلة وفجأة أخرج أحد الخاطفين رأسه من النافذة المفتوحة ” هذا ما كتبة طال في كتاب ذكرياته الذي تم نشرة قبل عام ونصف ” تحدثت معه حديث هادئ باللغة العربية. حاولت أقناعة بالنزول من الحافلة مع رفاقة حتى لا يقع لهم ضرر. كم تفاجأت ،حينما رد على بأنه لا يوجد لديهم سلاح في الحافلة . وبدا لى الخاطفين في حالة هلع”.

عندما عاد طال من خيمة قيادة العمليات، قدم أنطباعة للطاقم الذي أدار العملية. ” بدوا لي شباب صغار لا يحملون سلاح ويريدون الحياة . قلت لصانعي القرار أنه من الواجب البحث عن طريق لأنهاء الموضوع بالمباحثات “. غرفة العمليات لم تستجب لأقواله والجيش وجه أوامره إلى سريه الأركان الخاصة ” سرية الأركان” باقتحام الحافلة من خلال أطلاق النار الحي وإطلاق سراح المختطفين . المجندة أيريت بورتوغاز قتلت من نيران الجيش وأيضا أثنان من المختطفين الأربعة ، والأثنان الأخران كما أسلفنا تم اعتقالهم أحياء وتم توثيق ذلك بواسطة مصور صحيفة ” حدشوت” ، اليكس ليبك . ” قدم تقرير بذلك إلى أبروم ” كتب طال ” وقلت أن الخاطفين كانوا في حالة هلع ويمنع علينا قتلهم “.

شالوم المصر على رأيه لم يسمع النصيحة وأصدر أوامره إلى ياتوم بقتل الأثنان .والذي كان هو أيضا رئيس شعبة ، والقيام بتلفيق وتشتيت الأدلة ، وتخريب التحقيقات والقاء مسؤولية إغتيال الخاطفين علي العميد يتسحاك مردخاي ، وأيضا القاء المسؤولية علي رئيس الحكومة يتسحاك شمير.
بالأعوام التالية تورط الشاباك بأزمة عميقة ومن ناحية فعلية تقريبا وصل إلى شلل، الشاباك أنقسم إلى معسكرين أثنين ” مؤيدي أبروم ومعارضيه . طال ، وحزاك ومالكا وريدي طالبوا من شالوم بالتنحي والأستقالة ، ولكنه رفض بشدة . وبعد أن لم يستطع حزاك ، ومالكا وريدي أقناع شالوم ، ” قررنا أن نقابل أبروم ” أعاد طال تذكر الحدث في كتابة . ” الأصدقاء قالوا لي بما أني الأكبر سنا بالمجموعة والجميع ينظر إلى كشخصية تربوية ومهنية ، هناك أحتمال كبير أن يوافق أبروم علي طلبي . حوارنا كان صعبا جدا وخلاله قلت له : من أجل جهاز الشاباك أنت ملزم بالأستقالة “. هذا لم يحدث . طال داوم لغاية ما شعر شالوم بالملل ورفض مقابلته . في لحظة معينة أستدعي المستشار القانوني للحكومة بذلك الوقت ، يتسحاك زمير ، حزاك ومالكا وريدي للقاءه وهم أخبروه عن القضية باللحظة التي تم أخفاءها عن المواطنين.

شالوم قام بإقالة الثلاثة . ” رافي مالكا سألني هل سأنضم وقلت له لغاية الأن أنا متردد “، كتب طال، وفي النهاية ترك الثلاثة . حزاك وبالطبع أنا غضبنا من طال . ” هو تقاعد بمنتصف الطريق وترك النشاط الفاعل “. وأشار ” لكنه بالطبع طلب من أبروم أن يستقيل وحمل في جيبة رسالة موجهة لأبروم تحمل نفس طلب الاستقالة . لا يوجد لي أدعاءات نحوه وأستمرت الصداقة بيننا وكنا علي علاقة جيدة .

قضية الباص رقم 300 أنتهت بقرار حكومي والذي في أعقابه أستقال أبروم شالوم فيما طال وعشرة من أفراد الشاباك تم منحهم عفو باثر رجعي ، حتى لا يتم مقاضاتهم ، بعضهم ، ومن ضمنهم طال ذاته ، أستمروا بالعمل في الشاباك ، ” القضية هزت الوالد ” قالت ” لصحيفة هارتس ” أبنتيه عينات وليئات وأبنه هدار ” لقد حكي لنا بأنه كان يتعذب ويشعر بالألم بين ولاءه للدولة والخدمة بالشاباك وبين قيمة وأخلاقة “.

تفعيل عودة صهيون ” عودة اليهود إلى فلسطين ”

سيرة طال الذاتية مشابهة ومماثلة للعديد من أعضاء اليشوف اليهودي الذي أسس في فلسطين المحتلة خلال العقود الأخيرة من إقامة الكيان. ولد نحمان تاليشبسكي بكفار غنيم( بتاح تيكفا) بشهر فبراير 1931 لعائلة من رواد الهجرة الصهيونية من المزارعين . درسفي مدرسة غيمانسيا أحاد هعم ، أنضم إلى الشباب المتعلم والعامل ، وقاتل في الهاغاناة وبحرب عام 1948 حارب على الحدود اللبنانية .” بعدما تفكك المنظمات الصهيونية وبعد تلاش الحلم في أقامه كيبوتس جديد، التحق طال بعام 1954 إلى جهاز الأمن العام ، حيث أمضي أغلب حياته وشبابة ، وخصوصا في غزة وسيناء.
أعترف طال بمذكراتة بكل أمانه أنه خلال بدايات سنوات الخمسين : ” أغلب الفلسطينيين الذين تسللوا إلى “إسرائيل” من غزة لم يفعلوا ذلك بطلب من مصر ، كما يزعم “التأريخ الإسرائيلي” الرسمي .”كان ذلك عبارة عن مبادرة ذاتية من الخلايا الفلسطينية التي قامت بقتل كل “إسرائيلي” وجدوه في طريقهم .هذه الأنشطة قادت إلى قيام “إسرائيل” بعمليات انتقامية شديدة ، مثال ذلك القيام بغارة من قبل “الجيش الاسرائيلي” على معسكر مصري في غزة في فبراير 1955. وكان هذا بالفعل نقطة تحول قادت إلى تأسيس الفدائيين ” وبحسب أقواله ، هذه الوحدة كان عدد أفرادها 200 شخص تم تجنيدهم وتشغيلهم من قبل ضابط مخابرات مصري أسمه الكولونيل مصطفي حافظ . وبعد مرور عام ونصف تم أغتياله من قبل أفراد الوحدة 154 بمساعدة من قبل عميل بدوي أحمق ، والذي جُند لأجل هذه المهمة دون أن يعرف بذلك أنه نقل كتاب مفخخ.
في الستينيات تم إعارة تال من الشاباك وعلى مدى خمس سنوات عمل رئيسا للمنطقة الشمالية وتحديدا بالوحدة 154 ” المعروفة الأن باسم الوحدة 504″ التابعة لشعبة الاستخبارات ب”الجيش الاسرائيلي” ، والتي تعمل على تجنيد وتشغيل العملاء، بالإضافة إلى ثلاث سنوات أعارة إلى الموساد في ألمانيا الغربية . أحد مهامه في المانيا كانت عبارة عن تجنيد عملاء من بين الطلاب الشباب الذين أنضموا إلى فتح وتم أرسالهم من قبل فتح إلى الجزائر لتلقي دورات عسكرية والقيام بعمليات ضد “إسرائيل” .
وخلال عودهم إلى الأراضي الفلسطينية زودوا طال ورفاقة معلومات عديدة حول مخططاتهم وهكذا تم أحباط الكثير من العمليات العسكرية .
بكتابة يلقي طال الضوء على العديد من القضايا الاستخبارية المثيرة في قطاع غزة وسيناء ، والتي تدلل على إصالة وتطور فكر طال الأستخباري وحكمته”. خلال سير المعارك في سبتمبر 1970 بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، سارع المئات من الفلسطينيين بعبور نهر الأردن والبحث عن مأمن في “إسرائيل” . ” أطلقنا عليهم عائدو صهيون “، كتب طال ” من بينهم أقمنا وحدة ساعدتنا في حربنا في غزة “، والذي خلالها سيطرت المنظمات الفلسطينية وعلى رأسها الجبهة الشعبية، على مخيمات اللاجئين وسيطروا عليها.
في وقت سابق في يناير 1970 ،أصيب طال في قدمه من النيران التي أطلقها عليه فلسطينيين ، هذه هي الإصابة الخطيرة الثانية التي أصيب بها . حدثت المرة الأولي عندما عاد من نشاط عملياتي بنهاريا ، نام وهو يقود والجيب الذي يقودة أصطدم بالقطار . بأعجوبة لم يقتل خلال الحادث ، في كلتي الحالتين عاد إلى عملة خلال أسابيع قليلة .
على مدار الليالي يتم تفعيل ” خلايا وفرق خاصة ، كان يقوم أفرادها بطرق ابواب الأشخاص المشاركين بالمقاومة وهؤلاء كانوا يفتحونها حينما يسمعون الرموز والشعارات الحقيقية المناسبة. كنا نملك العديد من الرموز تم تجميعها كغنائم خلال تنفيذ عمليات سابقة تم خلالها اعتقال أعضاء من المنظمات الفلسطينية، من بين تلك الرموز كان هناك شعارات للتعريف خاصة بالتواصل مع أفراد في الضفة الغربية وغزة “.

حدثت أحدي القصص المثيرة في 5 أكتوبر 1973 يوم قبل أندلاع حرب يوم الغفران ، حينما قام الجيش والشاباك بأسر ( طال كان حينها يتولى منصب كبير في غزة وسيناء) أثنان من أفراد الكوماندوس المصريين اللذان عبرا القناة بمركب وتسللوا إلى سيناء حاملين جهازي أتصال لاسلكي . خلال التحقيق معهم من قبل الشابك تحدثوا ، كل واحدا منهم على حدة، انه في الغد ، السادس من أكتوبر ، في تمام الساعة 14:00 ستندلع حرب وفق توجيهات واضحة وصريحة من الرئيس المصري محمد أنور السادات .
تم نقل المعلومات إلى ضابط الاستخبارات القيادي ، المقدم دافيد جداليا ، والذ حلل تلك المعلومات بعبارات ” ستندلع الحرب غدا في حال أصبح لجدتي عجلات “. للتأكيد هذه المعلومات وصلت إلى “إسرائيل” تقريبا قبل 12 ساعة قبل معلومات الجاسوس أشرف مروان التي نقلها إلى رئيس الموساد ، تسبي زمير ، والذي نقلها بدورة إلى رئيسة الوزراء غولدا مائير . وهذا هو مثال للدلالة علي حجم الإخفاقه والتقصير عشية أندلاع الحرب.
بعام 1995 ، أنهي طال خدماته بجهاز الأمن العام ” الشاباك” ليس قبل يتدخل بجهود نهدئة الدروز في هضبة الجولان في أعقاب قانون ضم الجولان .
هو مثل الشاباك بمؤتمر السلام بمدريد وبمباحثات السلام مع الأردن بعام 1994 . بعد تقاعده عمل متطوعا بمركز ” التراث ” ، الوحدة المختصة بتاريخ جهاز الأمن العام ـ حصل على الدكتوراه من جامعة حيفا ، وكتب العديد من الكتب البحثية . ” مساهمات نحمان للشاباك كانت عظيمة ، كان لهدورا هاما بتطور البحث الأستخباري ، وبناء مبادئ التغطية الأساسية والعقيدة القتالية . وبحسب أقوالة ، بذات القدر من الأهمية بكون طال كان معتدلا في رأية أتجاه العرب .” كان لدية أراء معتدلة وعلمانية سمحت له بأن يري أدلة بعيدة المدي حول المشكلة الفلسطينية “، وأضاف ، ” ليس فقط من خلال فوهات البنادق ن هو دائما يركز علي الحاجة إلى السعي من اجل السلام .

      النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى