ارشيف الموقع

قصة رفع الدعم “مش بنت مبارح”… أين كنتم منذ سنة؟


اندريه قصاص -لبنان24

في خطوة “شعبوية” بإمتياز، إستنهض “التيار الوطني الحر” انصاره ودعاهم إلى النزول إلى الشارع والتظاهر ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، الذي إتخذ قرارًا برفع الدعم عن المحروقات، وذلك حفاظًا على ما تبقّى للبنان من إحتياط إلزامي، وهو بمثابة خط الدفاع الأخير عن هذه القلعة المتصدّعة قبل أن تنهار بالكامل.
البعض وصف خطوة “التيار” بالمسرحية الهزلية، خصوصًا أن القيمين عليه، وبالتحديد النائب جبران باسيل يعرف “البير وغطاه”، ويعرف “البيضة مين باضها”، ويعرف أيضًا أكثر من غيره أن هذا القرار متخذ منذ سنة تقريبًا، فلماذا تحرّك اليوم، ولم يحرّك ساكنا من وقتها، إذ كان الحل يومها ممكنا. أمّا اليوم فإن أي تحرّك في غير موضعه الطبيعي قد يدفع البعض إلى إستغلال ما يمكن أن تسبّبه تظاهرات “التيار” من فوضى والدخول على خطّ الخربطة الإجتماعية، وهو أمر لا يصب على الإطلاق في مصلحة العهد، الذي بات في حاجة اليوم إلى حكومة تعيد الأمور على الأقل إلى نقطة الصفر بعدما أصبح الوضع تحت الصفر بدرجات.

قبل سلامه قال الرئيس كميل شمعون في العام 1987، وكان يومها وزيرًا للمالية في حكومة الرئيس رشيد كرامي، إنه إذا لم نرفع الدعم فإن لبنان ذاهب إلى إفلاس حتمي.
المضحك المبكي أن جماعة “التيار” يتظاهرون ضد أنفسهم، لأنهم هم الآن في السلطة. فهل كان في مقدور “الحاكم” أن يتخذ هكذا قرار لو لم يحظَ بالغطاء السياسي، على رغم محاولة البعض التنصّل من هذه المسؤولية.
ليس إنتقاصًا من قيمة هذا أو تقليلًا من شأن ذاك ممن يعتبرون انفسهم مسؤولين اليوم، بل نكتفي بالتذكير بكلام الرئيس شمعون الذي قاله قبل 34 سنة، عندما حذّر من مغبة سياسة الدعم. فالرجل كانت له رؤية بعيدة الأفق، عكس بعض سياسيي اليوم، ورأى ما لا يراه سياسيو هذه الأيام، الذين لا يرون ولو أبعد من أنوفهم. فسياسة قصر النظر هي السائدة اليوم، على رغم الكلام الذي قاله أحد المراجع السياسية منذ قبل أن تقع الواقعة المالية والإقتصادية عندما تحدّث عن تطويل عنق زجاجة الأزمة، وهو الذي حذّر من الوصول إلى ما وصلنا إليه، في الوقت الذي كان البعض يحاول التخفيف من خطورة ما قاله البطريرك الراعي، الذي كان أول من حذّر من وصول البلاد إلى الإفلاس، على اثر لقائه الرئيس عون قبل ما يقارب السنتين، أي قبل 17 تشرين الأول بقليل.
في رأي بعض الخبراء في الشأن المالي أن اسباب الإفلاس كثيرة، ومن بينها سياسة الدعم المتبعة منذ أمد بعيد، تضاف إليها إفتقار المسؤولين لرؤية إقتصادية شاملة، ولتخطيط غير عشوائي، ولسياسة إستباقية، وللإعتماد على إقتصاد إنتاجي بدلًا من التعويل على الإقتصاد الريعي. وهذا ما لم يحصل على رغم كل الدراسات التي كانت تتوقع الوصول سريعًا إلى النتائج التي وصلنا إليها، وذلك بسبب تلهّي المسؤولين بأمور أخرى.

في علم السياسة يُقال إن المسؤولية تفرض على كل من يريد التعاطي بالشأن العام إستباق الأزمات بسلسلة من الحلول قبل أن تقع الكارثة، وقبل الدخول في حلقة مفرغة، لأن المشاكل في هذه المرحلة تتوالد وتتكاثر، بحيث لا تعود المعالجات العادية تنفع في شيء، الأمر الذي يقود إلى فوضى غير مسبوقة، وإلى تخبّط غير سوي على كل المستويات.
وقد يكون ما نشهده من تخبّط في الحياة السياسية إنعكاسًا لإنعدام الوضوح في الخيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الأمنية. وما الأزمة الحكومية التي عاشتها البلاد طيلة تسعة أشهر سوى دليل واضح على أن السياسة المتبعة تفتقر لعوامل عدّة غير متوافرة لدى أهل السلطة، الذين لا يحسنون سوى تقاذف كرة مسؤولية الإنهيار الشامل، وإلقاء التهم جزافًا، من دون الأخذ في الإعتبار مفاعيل مثل هكذا تصرفات التي لا يمكن وصفها سوى بأنها “صبيانية”، إعتقادًا من البعض أنهم لا يزالون يلعبون بـ “الكّلة” في الساحات العامة.

فبهذه البكائية الشعبوية يحاول متظاهرو اليوم، الذين كانوا غائبين عن السمع طوال سنة، إستغباء العقول، وهم الذين كانوا يعلمون علم اليقين بقرار الحاكم قبل صدوره، لتنطلق بعدها حفلة “الدجل”، التي تجّلت بإستحضار فرق “رشق البيض” ، لاستهداف موكبه عند مفرق قصر بعبدا، واستهداف منزله ليلاً بعراضات “برتقالية”.
فالطبقة الحاكمة متهمة من قِبل الشعب بأنها متواطئة مع “مافيا التهريب والاحتكار” في استنزاف آخر دولار في الخزينة قبل الرضوخ لحتمية رفع الدعم، خصوصًا أنّ ضريبة “التهريب” كلفت في غضون العام 2020 وحده ما لا يقل عن 1.2 مليار دولارمن أصل 4 مليارات دولار ذهبت لاستيراد المحروقات.
فبالله عليكم، ورحمة بأعصاب الناس وما تبقّى لهم من أمل، كفاكم تذاكيًا وكفاكم تمثيلًا وكفاكم إستخفافًا بعقولنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى