أكّد «مرصد الأزمة»، أن «الأزمة اللبنانية تؤسس، في خضم الأزمات المشتعلة وتداعياتها اليومية على كل جوانب العيش، إلى عواقب طويلة الأمد عبر الهجرة الكثيفة المتوقعة، والتي بدأت دلالاتها بالظهور».

وأشار في تقرير له، إلى أن «لبنان يشهد منذ أشهر ارتفاعاً ملحوظاً في معدّلات الهجرة والساعين إليها، يجعلنا ندخل في بداية موجة هجرة جماعية (Exodus) هي الثالثة بعد الموجة الكبيرة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر امتداداً حتى فترة الحرب الكونية الأولى (1865 – 1916)، حيث يُقدّر أن 330 ألف شخص هاجر من جبل لبنان آنذاك، والموجة الكبيرة الثانية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، حيث يقدّر الباحث بول طبر أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص».

وبحسب المرصد، هناك 3 مؤشرات مقلقة فيما يتعلّق بدخولنا في موجة هجرة جماعية والتي من المتوقع أن تمتد لسنوات:

أولًا: ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني، حيث أشار 77% منهم أنهم يفكرون بالهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية حسب تقرير «استطلاع رأي الشباب العربي» الصادر العام الماضي. و«أن السعي للهجرة عند الأكثرية الساحقة من الشباب اللبناني هو نتيجة طبيعية لانحسار فرص العمل الكريم، حيث يُقدّر البنك الدولي أن شخصاً من كل خمسة فَقَد وظيفته منذ خريف الـ 2019، وأن 61% من الشركات في لبنان قلّصت موظفيها الثابتين بمعدّل 43%».

ثانياً: الهجرة الكثيفة للمتخصصين والمهنيّين، خاصة من العاملين والعاملات في القطاع الصحي كأطباء وممرضين، وفي القطاع التعليمي من أساتذة جامعيّين ومدرسيين بحثاً عن ظروف عمل ودخل أفضل. فعلى سبيل المثال، قدّرت نقابة الممرضات والممرضين هجرة 1600ممرض وممرضة منذ 2019. وكذلك أفراد الجسم التعليمي الذي هاجر المئات منهم إلى دول الخليج وشمال أميركا، ففي الجامعة الأميركية في بيروت وحدها، سُجّل خلال عام رحيل 190 أستاذاً يشكّلون حوالي 15% من الجسم التعليمي.

ثالثاً: توقّع طول أمد الأزمة اللبنانية، فالبنك الدولي يُقدّر أن لبنان يحتاج بأحسن الأحوال إلى 12 عاماً ليعود إلى مستويات الناتج المحلّي التي كانت في عام 2017، وبأسوأ الأحوال إلى 19 عاماً. ومع غياب القرار السياسي بمقاربة جدّية للأزمة اللبنانية ممّا يوشي بتعمّد الإنهيار، فمن غير المستبعد أن تتلاشى مؤسسات الدولة أكثر فأكثر والسقوط في دوّامة مميتة تمتدّ لعقدين من الزمن، والذي سيشكّل عاملاً ضاغطاً على مئات الآلاف للرحيل عن وطنهم سعياً للاستثمار والعمل والدراسة والتقاعد.

وقال المرصد: «إذا أضفنا إلى هذه المؤشرات الثلاثة المحلية، عاملاً آخر هو الحاجة المتزايدة إلى يد عاملة وأصحاب اختصاص وفئات شابة في عدد كبير من الدول الأكثر تقدّماً في العالم، والتي تشهد انخفاضاً في معدّلات النمو السكاني وزيادة في نسبة المسنّين، فيمكننا استنتاج موجة كبيرة من هجرة اللبنانيين في الأعوام القادمة».

ولفت إلى أن «تأثيرات موجة الهجرة الثالثة المتوقعة ستكون وخيمة، عبر خسارةٍ يصعب تعويضها للرأسمال البشري اللبناني وهو المدماك الأساس في إعادة بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد».