في حين يسترخي المعنيون بتشكيل الحكومة، والمولجون تأليفها دستورياً وينامون على «حرير» من تعطيل، ترتفع الصرخة الشعبية وعلى صوت واحد في كل لبنان : هل من المعقول ان يعطل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الحكومة كرمى لحقيبة واحدة؟ واي بلد سيبقى واي اقتصاد سيبقى اذا لم تشكل الحكومة؟

بهذا النَفَس تنطلق اوساط سنية شمالية في «تيارالمستقبل»، لتقول ان ما يجري اليوم هو إعادة فرز مناطقي وطائفي ومذهبي والتأسيس ليس لفيدرالية مقنعة، بل لتقسيم وانفصال علني ونهاراً وجهاراً، وتشير الى ان السُنّة هم الاكثر تضرراً مما يجري في لبنان، لجهة الحرمان والتهميش المناطقي والسياسي الى حد الاستضعاف، صحيح ان كل لبنان محروم من ابسط سبل العيش من خبز ودواء ومحروقات وكهرباء، لكن يمكن ان لأي كان ان يرصد ان المدن، والتي يطغى فيها الوجود السني تنتشر فيها العتمة، وليس فيها مولدات ولا كهرباء ولا مازوت ولا محطات ولا صيدليات ولا افران تفتح ابوابها من صيدا الى بيروت وطرابلس وعكار والمناطق السنية في البقاع الاوسط.

وتؤكد الاوساط ان هناك قلقا سنيا حقيقيا مما يجري، وان شظايا الانفجار لن تبقى محصورة في المناطق السنية واللهيب سيمتد الى كل لبنان، وتشير الى ان ما يحكى عن رفع دعم عن المحروقات ليس ترفاً او خياراً بل هو الامر الاخير المتبقي. وبالتالي ما هو مصير كل لبنان من تلامذته الى مدارسه وجامعاته وعماله وموظفيه وكل قطاعاته؟ وبعد 7 ايلول كيف سيبدأ العام الدراسي وكيف سيكون هناك بلد؟

وتقول الاوساط ان آخر الخيارات للمواجهة، هو وجود حكومة اصيلة يمكنها ان تدير الانهيار، وان تمتص صدمة رفع الدعم، وان تدير تشظياته وبالتالي لم يعد بالامكان تأجيل الحكومة اذا تبقى هناك «عقلاء» لانجازها!

وفي ملف الحكومة والاتهامات العونية للحريري بأنه يريد حصة وزارية وازنة، وان ما لم يحققه هو و»نادي الاربعة» يريد ان يحققه عبر ميقاتي، تكشف الاوساط، ان ليس سراً ان ميقاتي ملتزم خيارات الاكثرية السنية، وهذا معلن ومعروف، وهو متضامن مع من رشحه، اي الحريري والرؤساء السابقين للحكومة، ولكن ان اراد الحريري ان يسمي وزراء له فلماذا يلجأ الى اسماء غير واضحة او حزبية كما يفعل الآخرون؟

وتشير الاوساط الى ان ما يجري هو تهميش السُنة ومنحهم 3 حقائب من اصل 4 سيادية و8 خدماتية اي الداخلية والصحة والبيئة، والرئيس عون والنائب جبران باسيل يريدان الثلث المعطل بأي طريقة كانت والسيطرة على كل المقاعد المسيحية وتسميتها، وكذلك الامساك بالمفاصل الامنية والقضائية وحتى الاقتصادية، فأين حضور السُنّة الوازن؟ واين فعالية رئيس الحكومة والاكثرية السنية عندما يستكثر عون على ميقاتي ان يكون جزءاً من الفريق المفاوض مع صندق النقد الدولي؟ وان يستأثر بالشؤون الاجتماعية والطاقة والاقتصاد بالاضافة الى حصول الآخرين على الاتصالات للمردة والمالية للشيعة.

وعن «عزلة» الحريري سعودياً وخارجياً عبر حجز كل املاكه فيها وبعد اجبار محمد بن سلمان الحريري على الاعتذار ، عبر وضع «فيتو» على توليه الحكومة وتشكيلها واعتذاره وما كلفه ذلك من فاتورة سياسية محلية واقليمية ودولية، و كذلك «عزلته» الداخلية عبر «فتح النار» دفعة واحدة على حزب الله والقوات والاشتراكي، بينما لم يتبق له حليف سوى الرئيس نبيه بري، تقول الاوساط ان الحريري كالطائفة السنية في مرحلة تحول وقلق، ولكن الحريري لن يقف مكتوف الايدي ولديه خيارات سياسية، وسيتصرف كرجل دولة ، ولن يتفرج بقدر استطاعته على تذويب البلد واخذه الى الفراغ، وسيبقى لديه ورقة الاستقالة من مجلس النواب، عندما يتأكد ان الفريق العوني وحزب الله يقودان الى الفراغ والتمديد لعون ولمجلس النواب، خصوصاً ان الحريري يشعر ان حزب الله لا يريد ان يُشكّل الحكومة عبر عدم الضغط على عون وباسيل، فـ»ساعة يمون وساعة لا يمون»!

في المقابل تؤكد اوساط مطلعة على اجواء حزب الله ان البلد كله يعاني، وكل لبنان معزول، وكل القوى السياسة متضررة من عدم تشكيل الحكومة، وفي طليعتهم حزب الله، وحتى الرئيس عون و»الوطني الحر»، وما يجري من انهيار يصيب الجميع، وتشير الاوساط الى ان الحريري يتخبط في ازماته الشخصية اولاً، وفي شارعه ثانياً، وبسبب الازمات الخانقة التي تضرب كل لبنان ثالثاً، وبالتالي الخيارات امامه ضيقة كالجميع، والهمّ الاساسي اليوم همّ منع سقوط البلد الكامل والانهيار الكامل.

وترى الاوساط ان الحديث عن الاستقالة من مجلس النواب اكانت استقالة سنية للحريري ام مسيحية عبر «التيار الوطني الحر»، وما يردده باسيل، هو من باب الكلام السياسي، ولا نراه واقعياً، ويمكن ان يحصل راهناً، وكذلك يفعل الحريري في صراعه ونكاياته مع العهد وباسيل. وبالتالي كل هذه السجالات والمزايدات، لن تصل الى نتيجة، والوقت لم يعد كافيا لممارسة مراهقات سياسية، وكل الشغل اليوم على توليد الحكومة بأي طريقة كانت لمنع الانهيار!