تطرح عودة تنظيم «داعش في خراسان» إلى واجهة الأحداث في أفغانستان، والتي برزت خصوصاً من خلال التفجير الانتحاري الدّامي في مطار كابول، تساؤلاتٍ عديدة حول مستقبل العلاقة بين هذا التنظيم وحركة «طالبان»، بعد استحواذ الأخيرة على السلطة، فهل ستكون الأصوليّة الإسلامية القاسم المشترك بينهما للتعاون، أم أن «طالبان»، ومن أجل بسط سلطتها على كامل البلاد ونيل الثقة الدولية، ستدخل في مواجهة مع «داعش»، العابر في أفكاره للحدود الأفغانية؟ تعود بداية وجود «داعش» في أفغانستان إلى عام 2015، حين تمكّن من بناء خلاياه في الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية، لا سيما في ولاية ننغرهار، وإشهار «ولاية خراسان» كجزء ممّا سُمّيت «الدولة الإسلامية» بقيادة أبو بكر البغدادي. وفي آذار 2015، كان عبد السلام رحيمي، مدير مكتب الرئيس الأفغاني المنصرف، محمد أشرف غني، أوّل مسؤول يؤكّد وجود التنظيم في أفغانستان، حيث ساهمت عوامل عدّة في ظهوره أبرزها الفراغ الأمني، وغياب الاستقرار السياسي، والتوزيع غير العادل للسلطة، والفوارق الاجتماعية، وهشاشة عملية بناء الدولة، وكذلك غياب التمتّع بدعم اللاعبين الأجانب.
وعلى غرار المناطق الأخرى في العالم، مارس «داعش» في أفغانستان الترهيب والترويع من أجل إرساء حكمه هناك؛ فكانت الهجمات الانتحارية، وعمليات القتل الهادفة، والدعاية المُوجّهة عبر وسائل الإعلام الحديثة. في المقابل، ساهمت الهجمات التي شُنَّت عليه من قِبَل الولايات المتحدة، والحكومة الأفغانية، والسكان المحلّيين، وقوات «طالبان»، خلال السنوات الماضية، في قتل عددٍ كبير من عناصره، أو القبض عليهم، إلى حدّ أن الحكومة أعلنت أن التنظيم قد أُبيد عام 2019. ولكن على رغم أنه فقد معظم مناطق سيطرته في أفغانستان، وتعرّض لخسائر بشرية فادحة على مستوى القيادة والمقاتلين، إلّا أنه بقي صامداً وحاضراً في أرجاء البلاد. وفي أواسط عام 2020، قُدّم شهاب المهاجر كأمير لـ«داعش» في «ولاية خراسان». وتبنّى التنظيم، خلال الشهرين الأولَين من عام 2021 فقط، مسؤولية 47 هجوماً في أفغانستان. كما تفيد التقديرات المختلفة بأن ما يتراوح بين ألف و4 آلاف مقاتل لـ«داعش» ينتشرون حالياً في الولايات الأفغانية، بما فيها بدخشان وهيلمند وسربل وتخار وكندوز، فيما تعدّ كنر المعقل الرئيس له، شرقي أفغانستان.

العلاقة مع «طالبان»
في مستهلّ وجود «داعش» في أفغانستان في عام 2015، راقبت «طالبان» نشاطات التنظيم بدقّة في ولاية ننغرهار، إلا أنها لم تسمح لقادتها العسكريين بالعمل ضدّه مع أنها كانت قادرة على التصدّي له – وعلى رغم أنه أيضاً قتَل واليها في الولاية المذكورة -، وهو ما سمح له بالاستيلاء على مساحات ومناطق شاسعة. وكان يُظنّ، في البداية، أن «داعش» و«طالبان» يتواطآن معاً ضدّ الحكومة الأفغانية والوجود الأميركي، ولكن اتّضح مبكراً، تأسيساً على أهداف التنظيم (إعلان الخلافة العامة)، أنّ الأخير في صدد إزاحة الحركة التي تمتنع عن مبايعة «خليفة الدولة الإسلامية». ومع الوقت، تنامت كراهية أحدهما للآخر، خصوصاً عندما نعت البغدادي، زعيم «طالبان»، بأنه «أمير حرب أخرق وجاهل»، ووصف الحركة نفسها بأنها «مجموعة ذات نزعةٍ عرقية، تحمل أفكاراً قبلية ومحدودة، ومن دون إنجازات»، وبأنّها «أداة طيّعة بيد باكستان». وفي المقابل، رفضت «طالبان» طاعة «داعش»، معتبرة أن نشاطه يشكّل خطراً على مناطق سيطرتها في أفغانستان، كما طالبته، في رسائل مفتوحة، بأن يجعل أفراده يعملون تحت إمرتها. وفي العام ذاته، أي عام 2015، أعلن الطرفان الحرب ضدّ بعضهما البعض، ووصفها كلاهما بـ«المقدّسة». وفيما تُعتبر «طالبان» أكثر اعتدالاً مقارنة بالمجموعات المتطرّفة الأخرى، خصوصاً بعد تخلّيها عن أفكارها ورؤاها التوسّعية وحصْر أهدافها بإقامة «الإمارة الإسلامية» ضمن حدود أفغانستان فقط، يتبنّى «داعش» فكرة إقامة «الدولة الإسلامية» على مساحة العالم، ولذا فإن أفغانستان تُعدّ بالنسبة إليه جزءاً من «ولاية خراسان». وإلى جانب قبولها مدرسة «ديوبندية» الفكرية، فإن تقاليد عرقية «البشتون» وعاداتها حاضرة بشكل جليّ في أفكار «طالبان»، بينما يصف «داعش» انتهاج الحركة للمذهب «الحنفي» بالمتعنّت، ويرفض إجازة دعمها كونها تعتنق العقيدة «الماتريدية». ولهذه الأسباب وغيرها، يَعدّ «داعش»، «طالبان»، كافرة، فيما تَعتبر الأخيرة وجوده في أفغانستان «ظاهرة أميركية».

وسط كلّ ذلك، يبقى الأمل معقوداً، لدى الحركة والتنظيم على السواء، على متغيّرَين رئيسَين، يمكن أن يقود أحدهما إلى تقارب بين «طالبان» والمجموعات الأخرى بوجه «داعش»، فيما قد يستتبع الآخر انشقاق عناصر عن الحركة. بالنسبة للمتغيّر الأول، فإن خطر «داعش» وأعماله الإرهابية ضدّ الشعب الأفغاني، قد يحوّلان مسألة خوض مواجهة ضدّه إلى القضية الرئيسة للأفغان، ويؤدّيان إلى تقارب «طالبان» مع المجموعات الأفغانية المعارضة لها، للتصدّي لخطره. أمّا بالنسبة للمتغيّر الثاني، فإن عدول الحركة عن بعض أهدافها وتطلّعاتها السابقة في الميدانَين السياسي والاجتماعي والعلاقات الخارجية، قد يُفسَّر من جانب بعض أعضائها المتطرفّين على أنّه ضربٌ من التراجع عن أهداف «الجهاد»، ويُسفر عن التحاقهم بـ«داعش». وبما أنّ القطيعة مع المجموعات الإرهابية الدولية، تُعدّ من الشروط الأساسية للاعتراف بـ«أفغانستان الجديدة» من قِبَل الدول الأخرى، فإن المواجهة مع «داعش» تشكّل أمراً ضرورياً وحيوياً بالنسبة لـ«طالبان». لكن هذه القضية يمكن أن تدفع المقاتلين الأجانب المتحالفين سابقاً مع الحركة، إلى الانضمام إلى التنظيم، الذي يأمل في استقطابهم أصلاً.
يبقى أنّه في حال خرج التوتّر بين «طالبان» ومعارضيها عن السيطرة، وإن لم تتشكّل حكومة قويّة تحظى بالإجماع في أفغانستان، عندها ستتوافر أفضل الظروف لتنامي قوة «داعش».
* خبیر وباحث
في الشؤون الأفغانية في طهران