غزة | على رغم نجاح الجهود الدولية في وقف إطلاق النار، لكن لا شيء في غزة يشير إلى أن الحرب انتهت؛ إذ بدأت إسرائيل جملةً من الإجراءات العقابية تجاه السكان، يراها البعض “حرباً صامتة”، تريد من خلالها أن تُفرغ إنجاز المقاومة من مضمونه، أو أن تعاقب الحاضنة الشعبية للمقاومة على المساندة التي أظهرتها خلال العدوان وبعده. وتُعتبر “الكهرباء”، أحد القطاعات التي تتحكّم فيها إسرائيل بشكل شبه كلّي”. لذا، ومنذ وقف إطلاق النار في 21 أيار/ مايو الجاري، يعيش سكّان القطاع أزمة كهرباء خانقة، إذ لا تتجاوز ساعات وصل التيار الكهربائي في اليوم 4 ساعات، مقابل 16 ساعة انقطاعاً.

“كارثة وليست أزمة”
يقول المسؤول الإعلامي في شركة توزيع الكهرباء، محمد ثابت، إن ما يجري يُعدُّ كارثة بكلّ ما تحمِل الكلمة من معنى؛ فقطاعات حسّاسة، مثل المستشفيات وآبار المياه الجوفية والمصانع وحتى محطّات الصرف الصحي، تعمل بقدر محدود جداً من طاقتها. ويحتاج القطاع إلى 540 ميغاواط من الكهرباء للمحافظة على وصول الكهرباء طوال اليوم، فيما تحتاج العودة إلى جدول الكهرباء الذي كان معمولاً به قبل بدء العدوان الأخير (8 ساعات وصلاً، مقابل 8 قطعاً)، إلى 250 ميغاواط. ولكن المتوفّر حالياً، وفق ما أعلنته شركة التوزيع، هو 116 ميغاواط من الكهرباء فقط، يوفّرها أحد الخطوط التي ما زالت تعمل من الجانب الإسرائيلي بواقع 71 ميغاواط، ومحطة التوليد التي تعمل بنصف طاقتها بواقع 45 ميغاواط.

وتسبّب القصف الإسرائيلي بتعطيل 4 خطوط كهرباء تغذّي القطاع، ترفض إسرائيل، حتى الآن، السماح بإعادة إصلاحها. فضلاً عن ذلك، فهي تمنع، منذ العاشر من الشهر الجاري، دخول شحنات الوقود إلى محطة التوزيع. وهنا، يؤكد ثابت أن كل الوساطات الإقليمية والأممية فشلت في تقديم آفاق لحلّ الأزمة المتصاعدة، ما يهدِّد استمرار عمل قطاعات حيوية في غزة، ولا سيما الصحية منها، إذ لم تستطع شركة التوزيع المحافظة على تقديم التيار الكهربائي للمستشفيات على مدار الساعة، ما أجبر الأخيرة على اللجوء إلى مولدات الطاقة، وتلك الأخيرة تعاني أصلاً من شحّ كبير في إمدادات الوقود، ما اضطرّ وزارة الصحة لإطلاق نداء استغاثة بضرورة التدخّل لتوفير الحدّ الأدنى من الأمان لوصول التيار الكهربائي إلى المؤسسات الصحية التي تضجّ بأعداد كبيرة من المصابين، من بينهم العشرات من الحالات الحرجة في غرف العناية المركّزة.
وبالإضافة إلى تعطُّل الحياة اليومية للسكان وتوقُّف قطاعات الصناعة وفساد كميات كبيرة من البضائع الغذائية واللحوم في ثلاجات ومخازن الطعام، فقد مسّت الأزمة بوصول المياه إلى منازل المواطنين. وعليه، أعلنت بلديات محافظة شمال غزة أنها عاجزة عن توفير المياه إلى منازل المواطنين، جرّاء تدمير شبكات مياه الشرب وعدم توفُّر الكهرباء اللازمة لضخّ المياه من الآبار الجوفية.

غير أن أسوأ ما كان ينتظره الشارع الغزي بعد حرب مدمّرة شعر السكان أنهم نجوا منها بأعجوبة، هو تحذير بلدية غزة من خطورة السباحة في البحر الذي يضجّ بآلاف من المصطافين، الذين يقصدون الشاطئ بصفته المتنفّس الوحيد لسكّان القطاع، هرباً من ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي في البيوت، بعدما اضطر عدد من بلديات القطاع لضخّ مياه الصرف الصحي في البحر بسبب توقُّف عمل محطات المعالجة إثر انقطاع التيار الكهربائي.

رفع تكلفة الإنجاز… بالعقوبات
ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى إلى تفريغ إنجاز المقاومة من مضمونه، وذلك من خلال ممارسة الضغوط الإنسانية عليها. وكان الاحتلال قد أغلق معبرَي بيت حانون المخصّص لتنقل الأشخاص إلى الضفة الغربية والداخل المحتلّ، ومعبر كرم أبو سالم المخصّص لدخول البضائع بشكل كلّي في أعقاب وقف إطلاق النار، ضمن ما سمَّاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، “تغيير طريقة التعامل مع القطاع”، غير أنه عاود فتح المعبرَين بشكل جزئي.
ونقل موقع “واللا” العبري عن وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، قوله، على هامش لقائه وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن “إسرائيل لن تسمح بإعادة الإعمار قبل إنهاء قضيّة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة”. تصريحات أشكنازي وما أردفه من محدّدات التعامل مع غزة في ملفّ إعادة الأعمار، كان قائد “حماس” في غزة، يحيى السنوار، قد استبقها بالتأكيد خلال لقائه بالصحافيين، نهاية الأسبوع الماضي، أن المقاومة لن تسمح لإسرائيل بإعادة فصول الحصار على القطاع، قائلاً إن المقاومة “ستحرق الأخضر واليابس إذا ما واصلت إسرائيل حصارها”، فيما شدّد القيادي في “حماس”، فتحي حماد، مساء الأحد، خلال مهرجان خطابي، على أن المقاومة مستعدّة للدخول في جولة جديدة لرفع الحصار إذا ما تطلّب الأمر. وقال: “الصواريخ جاهزة في مرابضها ويدنا على الزناد، لن نسمح لإسرائيل بأن تواصل حصارها” .