لم تكن مصر مجرد دولة عادية. هي ركن الإقليم منذ زمن طويل، ولا تزال. لم تفقد هيبتها بأي عصر، وبقيت تحافظ على دورها، عن قرب أو بعد. يحنّ إليها العرب، ولا تغادرها الشعوب التي إعتادت على ودّ المصريين. عاشت “أم الدنيا” أزمات وجودية، لكنها صمدت في أصعب الظروف حرباً وسلماً، فقراً وإرتياحاً، وتجاوزت المطبّات تلو القطوع.

يعرفها العالم بتراث فرعوني عظيم، ويحبّها العرب بنهرها الذي نال شهرته في مصر، رغم انه ينبع ويمر ويصب بدول اخرى، وبفنّها، ولهجة اهلها، وخفّة دم ابنائها، وقوة أجيالها، ورحابة صدور مواطنيها، وعزّتها، وجيشها، وناصرها، وصولاً إلى عصر حالي يقود فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي نهضة مصر الجديدة، بعد إحباط عاشه العرب عموماً والمصريون خصوصاً في عهد حكم “الإخوان المسلمين”.

أين مصر اليوم؟ .
يمكن لأي زائر، أو سائح، أو إقتصادي، أو صحافي، أن يرصد حجم التطور المصري، في العمران وبناء دولة إقتصادية لا تقتصر على سياحة، بل على بناء دولة منتجة ذات قدرات صناعية جبّارة، عدا عن تحديث القطاع الزراعي الناشط أساساً. أصبحت جمهورية مصر العربية مساحة للإستثمار تجذب رجال الأعمال من كل اتجاهات العالم، وخصوصاً من سوريا ولبنان الذين يجدون فيها مكاناً قابلاً لتطوير مشاريعهم وإنشاء المصانع والمراكز التجارية الضخمة.

تجذبهم مرونة الدولة في عهد السيسي الذي إتخذ قراراً منذ وصوله الى الرئاسة برفع شأن دولته. ينجح في تنفيذ خطة عصرية ذات جدوى اقتصادية. تسمع الاقتصاديون العرب يردّدون في جلساتهم أحاديث عن التسهيلات التي تقدمها الدولة لهم، وعن المرونة والترحاب والدعم على كل صعيد. وهو ما دعا السوريين واللبنانيين الذين يجدون في مصر سوقاً ضخماً نتيجة اعداد المصريين، وموقع جمهورية مصر الجغرافي الذي يربط العالم عبر البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وقناة السويس.
لذا، تشكل مصر وُجهة السوريين واللبنانيين والعرب أجمعين، الذين كانوا يلجأون اليها منذ عهد محمد علي باشا مروراً بعصر الخديوية وما بعدها، رغم قرار التأميم الذي فرضه النظام الاشتراكي وقضى يومها على طموحات وأملاك المستثمرين، ومنهم اللبنانيون والسوريون.

إستطاعت الاجراءات والتسهيلات المصرية أن تجذب الاقتصاديين، وهي ترسّخ القاهرة عاصمة مرجعية في الإقليم بعد ان حاولت تركيا فرض دولتها ركن المنطقة السياسي والإقتصادي. لكن طموحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التوسعية قضت على مشاريعه، رغم استخدامه كل الوسائل، ومنها الجنسية، لجذب رؤوس الاموال الى بلاده. بينما يطالب العرب مصر ان تبقى “أم الدنيا”، لتقريب المسافات وانهاء الخلافات بين دول الاقليم.

لا ينقص القيادة المصرية حنكة ولا جرأة في اتخاذ اي قرار، لكن يبدو ان السيسي قرر بناء دولة عصرية قوية مقتدرة، وتحقيق الانجازات داخل الجمهورية قبل لعب اي دور اقليمي متقدم. علما ان مصر نجحت في حضانة الفلسطينيين الذين وجدوا فيها بكل فصائلهم مصدر أمان وإطمئنان. وهي قناعة عند كل الشعوب العربية بأنّها ركيزة الإقليم.