هل حوّلت نقابة المُحامين ودائعها بالليرة اللبنانية لدى المصارف إلى الدولار؟ مصادر مصرفية تؤكّد أنّ نقابة المُحامين «دَولرت» أكثر من 95% من ودائعها بالعملة الوطنية، وقد تمكّنت عبر هذه العملية من السماح بسحب معاشات التقاعد بالليرة، ولكن وفق سعر صرف «المنصّة» المُحدّد بـ 3900 ليرة للدولار. بالإضافة إلى ذلك، سدّدت النقابة العجز في الصندوق التعاوني للمُحامين، المُختصّ بالاستشفاء الطبّي الذي يحصل هؤلاء عليه، وتحقيق وفرٍ فيه. النقاش لا يتعلّق بحقّ المُحامين بالحفاظ على قيمة تعويضات نهاية الخدمة، بعدما بدّدت المصارف أموالهم ومنعتهم من التصرّف بها بحرية، بخلاف ما تنصّ عليه القوانين. القضية تكمن في أنّ نقابة المُحامين، المُفترض بها أن تكون «رافعة راية حقوق الإنسان»، تصرّفت من مُنطلق أن «تُخلّص نفسها» فقط، وترسّخ التمييز بين المواطنين والسكّان والقطاعات، الذين لم يُقرّ حلّ لأزمتهم المُتمثلة بسرقة المصارف ومصرف لبنان للودائع وانهيار سعر الصرف.
وقد ارتفعت في الأسابيع الماضية الشكاوى من عرقلة المصارف دفع المستحقات والتعويضات، وصولاً إلى الامتناع عن ذلك. فعلى سبيل المثال، أعلن المجلس المركزي لمصرف لبنان موافقته في أيلول 2020، على الطلب المُقدّم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، «حماية القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة». وكان يُفترض أن يُسمح بسحب تعويضات نهاية الخدمة للموظفين والأجراء المُسجلين في «الصندوق»، على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار (تحويل التعويض من الليرة إلى الدولار بسعر صرف يبلغ 1515 ليرة لكل دولار، ثم إعادة تحويله إلى الليرة بسعر صرف يبلغ 3900 ليرة للدولار الواحد). لكن، في شباط 2021، صرّح المُدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، بأنّ «الصندوق زار حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة مرّتين، وأرسل كتابات رسمية في كلّ الإحصاءات، وكانت الأجواء إيجابية»، من دون أن يعرف كركي ما هي «الأسباب الحقيقية حول عدم تطبيق هذا الموضوع حتّى الآن».

أما نقابة المُحامين، فقد استغلت، بحسب مصادر مصرفية، نفوذها لتسعى لدى المصارف إلى تحويل حساباتها من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، بناءً على سعر 1515 ليرة للدولار الواحد، فيُصار إلى سحب معاشات التقاعد بالعملة الوطنية، ولكن حسب سعر «المنصّة» البالغ 3900 ليرة للدولار الواحد. خيار تحويل الحسابات من الليرة إلى الدولار، «ترفٌ» نالته نقابة المُحامين، مُنضمّة بذلك إلى «نادي أصدقاء المصرف» وأصحاب حسابات كبيرة، نالوا امتياز تحويل الودائع من الليرة إلى «الدولار الوهمي» للحدّ من خسائرهم بعد انهيار قيمة العملة الوطنية. وهذا الخيار غير مُتاح لعامة المودعين أو المضمونين أو المُتقاعدين. فالتحويل من الليرة إلى الدولار، ثمّ السحب وفق سعر 3900 ليرة، يعني ترتيب خسارة تبلغ 2400 ليرة لكلّ دولار، وقد «انتقت» المصارف زبائن مُعينين لتُقدّم لهم هذه الخدمة خلال السنة الماضية. فقد بدأ العمل بهذه الآلية بعد اندلاع أزمة الـ 2019، حين شَرع مصرف لبنان ببيع كلّ المصارف حصّة من «الدولار اللبناني»، تتفاوت بين مصرف وآخر بحسب محفظته المالية، تُسدَّد قيمتها بالليرة وفق سعر 1515. تؤكّد مصادر مصرفية أنّ «النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، وسيم منصوري، هو الذي توسّط لنقابة المحامين، داخل «المركزي» ومع المصارف، لتحويل حساباتها من الليرة إلى الدولار». راسلت «الأخبار» منصوري، شارحةً له الغاية من التواصل معه، إلا أنّه لم يُجب. كما أنّها اتصلت وراسلت نقيب المُحامين، ملحم خلف، الذي لم يتجاوب بدوره. وكان يُفترض به التعليق أيضاً على «دعسة ناقصة» أخرى قامت بها النقابة، وهي دخولها كمُضاربٍ في سوق الدولار. تقول مصادر المُحامين إنّ النقابة كانت «تعمد إلى استبدال الاشتراكات والبدلات التي تتقاضاها بالليرة وتشتري الدولار من السوق، لتودعه في حساباتها». وقد ساعدها تحويل الحسابات إلى الدولار، وشراءه من السوق، على «تصفير العجز في الصندوق التعاوني للمُحامين».
ينفي مسؤولون في مجلس نقابة المُحامين أن تكون قد حوّلت ودائع من الليرة إلى الدولار، «ما حصل أنّنا قرّرنا تقديم هدية إلى المُتقاعدين عبر إعطائهم نصف معاش التقاعد بالليرة، والنصف الآخر كشيك مصرفي يُسحب وفق سعر الـ 3900 ليرة، وقد استخدمنا في ذلك حسابنا في الدولار الأميركي الذي نملكه». أما بالنسبة إلى الصندوق التعاوني، «فقد صُفّر العجز نتيجة الوفر الذي حقّقناه بعد انخفاض الخدمات الاستشفائية». إلا أنّ المصادر المصرفية تؤكّد أنّ النقابة تمكّنت من «تحويل أكثر من 95% من مجموع حساباتها بالليرة إلى الدولار». وتشرح المصادر أنّه قبل انطلاق «انتفاضة تشرين»، كانت حسابات نقابة المُحامين المصرفية مُوزّعة بالتساوي بين الليرة اللبنانية والدولار الأميركي. في بداية عام 2020، «تمكّنت النقابة من تقليص نسبة الودائع بالليرة، عبر تحويل قسمٍ منها إلى الدولار، قبل أن تُتمّ المُهمة في الأسابيع الأخيرة».